ما هو سبب الانقسامات في الكنيسة ووجود الطوائف المسيحية؟
ولماذا نرى المسيحية تنقسم إلى طوائف، وما هي أفضل طائفة في نظركم؟
الصديق العزيز
- إن هذا السؤال هام جداً، لكن الإجابة عليه بالتفصيل قد تحتاج إلى كتب ومجلدات، ولكننا بكل محبة وتواضع نقول: بأننا سنحاول الإجابة عليه بموضوعية بعيداً عن التعصّب الطائفي، راجين أن تكون إجابتنا كافية ومقنعة.
أولاً: تعريف كلمة "كنيسة" والمقصود بها وكيف ابتدأت:
كلمة كنيسة غير عربية أصلاً، بل معرّبة عن اللغة اليونانية من كلمة "اكلسية" أو "اكليزية". وقد استُعملت كلمة كنيسة في العهد الجديد من الكتاب المقدس بأكثر من موضع وبأكثر من معنى مثل:
1 - الكنيسة هي المكان الذي يجتمع فيه المؤمنون للعبادة (أعمال 26:11 و1كورنثوس 18:11).
2 - الكنيسة تشير إلى جماعة من المؤمنين في مكانٍ ما، مثل كنيسة أورشليم وكنيسة أنطاكية وغيرها (أعمال 4:15 و 1:13).
3 - إن كلمة الكنيسة تشير إلى جماعة صغيرة من المؤمنين تجتمع في أي مكان للعبادة سواء في كنيسة أو منـزل أو أي مكان آخر (أعمال 23:14 ورومية 15:16 وكولوسي 15:4).
4 - الكنيسة تشير إلى جماعة المؤمنين عموماً، وتُعرف بالكنيسة العامة (متى 18:16 وأفسس 22:1).
5 - الكنيسة هي جسد المسيح، وهي تشير إلى جماعة المؤمنين بالمسيح (كولوسي 24:1).
وهذا يعني بكل تأكيد أن كل من يؤمن بالمسيح المخلص ويعتمد على اسم الثالوث الأقدس، ويؤمن بالتعاليم الإلهية الواردة في الكتاب المقدس، ويسير بموجبها، هو عضو في كنيسة المسيح، لأن الكنيسة تمثل جماعة المؤمنين بغضّ النظر عن جنس الإنسان ولونه ولغته. والجدير بالذكر أن الكنيسة الأولى كانت تُعرف بكنيسة المسيح وأحياناً بكنيسة الرسل ولم يكن فيها طوائف.
بداية الكنيسة الأولى:
بدأت الكنيسة الأولى بعد قيامة المسيح من الموت بأيام قلائل، وكان عدد أعضاء تلك الكنيسة لا يتجاوز عدد تلاميذ المسيح. وكان ذلك يوم الخمسين، أي يوم حلول الروح القدس على التلاميذ. أما رسالة الكنيسة فهي الكرازة، إذ قال يسوع لتلاميذه: "اذهبوا إلى العالم أجمع وأكرموا بالإنجيل للخليقة كلها"(مرقس 15:16). وقال أيضاً: "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن الروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به، وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر"(متى 19:28-20). وقد أطلق "مسيحيين" على أتباع المسيح لأول مرة في مدينة أنطاكية (أعمال 26:11).
لماذا الانقسام إذاً في الديانة المسيحية؟
لا شك أن جماعة المسيحيين المؤمنين بالمسيح يشكلون الكنيسة المسيحية التي هي جسد المسيح (كولوسي 1:24) والكتاب المقدس يؤكد أن المسيح هو رأس الكنيسة (أفسس 23:5). وبما أن المسيح رأس الكنيسة، فهو رئيس الإيمان ومكمله (عبرانيين 2:12). وكلامه وتعاليمه هي واحدة لكل من يؤمن به. ومن المفروض أن يكون جميع أتباع المسيح واحداً كما أراد المسيح حين قال: "ليكون الجميع واحداً كما أنك أنت أيها الآب فيّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا، ليؤمن العالم أنك أرسلتني"(يوحنا 17: 21). ويقول الكتاب المقدس بخصوص وحدانية الإيمان المسيحي: "رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة، إله وآب واحد، للكل الذي على الكل، وبالكل وفي كلكم"(أفسس 5:4). ولكن ما يجدر ذكره، بأن كنيسة المسيح الواحدة التي تقوم تعاليمها على الوحي الإلهي المدوّن في الكتاب المقدس، والتي ترتكز تعاليمها على المحبة والإخاء والمسامحة والغفران، والتضحية ونكران الذات، والخلاص والفداء، هذه الكنيسة واجهت في طريق مسيرتها عبر العصور الكثير من الأشواك والصعاب، بعضها من الخارج والآخر من الداخل، بعضها أثر على الكنيسة بطريقة أو بأخرى، وسبّب فيها الانقسام إلى طوائف مختلفة.
الصعاب التي واجهتها الكنيسة:
كانت الصعاب تارة من اليهود وأخرى من الوثنيين، الذين حاولوا بكل قوتهم أن يتعرضوا للإيمان المسيحي والعقيدة المسيحية. ولكن الكنيسة رغم ذلك ثبتت في وحدتها بثمن باهظ من العرق والدموع والدماء ضد تلك الهجمات. أما الصعاب التي واجهتها من الداخل فقد طعنتها بأوجاع الانقسامات التي كان بعضها لاهوتياً، والآخر طقسياً والآخر سياسياً. ولكن نشكر الله أن المسيحية لم تتلاشَ، بل تغلبت بقوة الله على معظم الشدائد والانقسامات وبقيت شاهدة للمسيح المخلص. فالكنيسة المسيحية بطوائفها المختلفة كلها تؤمن إيماناً واحداً برب الكنيسة يسوع المسيح ولا خلاف لديها بالنسبة للأمور الجوهرية من العقيدة.
لماذا نرى طوائف مختلفة في المسيحية؟
بالنسبة للطوائف التي نراها اليوم والاختلافات فيما بينهما، فإنها ترجع إلى الاختلاف حول تفسير الكتاب المقدس، إذ ترى كل فئة أن تفسيرها أو وجهة نظرها هي أكثر صحة من الأخرى. كما أن هناك بعض الاختلافات بين بعض الفئات بالنسبة للأمور الطقسية والتقليدية. ولكن نشكر الله أن كل طوائف المسيحية الأصيلة تتفق في الأمور الجوهرية للإيمان المسيحي.
أفضل طائفة:
إننا لا نفضل طائفة على أخرى، ونشجع كل مسيحي أن يظل في كنيسته ويكون عضواً عاملاً فيها. والكنيسة الفضلى في نظرنا هي التي تظهر محبة المسيح لكل من حولها، وتعكس صورة المسيح من خلالها، وهي التي تؤمن بسيدها وخلاصه وفدائه، وتسير بحسب تعاليمه، وتنشر تلك التعاليم بين كل من هم بحاجة إليها. وعلينا أن نتذكر أنه مهما اختلفت الطوائف فكنيسة المسيح واحدة. فالكنيسة "الأرثوذكسية" تعني "المستقيمة الرأي" بالنسبة للعقيدة، والكنيسة "الكاثوليكية" تعني "الجامعة". والكنيسة "الإنجيلية" هي التي تعتمد "الإنجيل" أساساً لإيمانها. وعلى هذا الأساس فالمسيحي الحقيقي هو أرثوذكسي وكاثوليكي وإنجيلي في الوقت نفسه، لأنه ينتمي إلى الكنيسة المسيحية الجامعة الرسولية المقدسة، كما جاء في قانون الإيمان. وهذا يعني أنه مستقيم الرأي، ينتمي إلى الكنيسة الجامعة، ويسير حسب تعاليم الإنجيل. فكل مؤمن حقيقي يجب أن يتحلى بالمحبة المسيحية للجميع والانفتاح والتعاون مع الآخرين، للالتفاف حول شخص المسيح، بدل التعصّب الأعمى الذي لا يولِّد إلا الضغائن والأحقاد، ويبعدنا عن روح المسيح "رأس الكنيسة".
مساعٍ نحو الوحدة الكنسية
إن معظم رجال الله المؤمنين يأسفون لما حصل من خلافات وانقسامات في الكنيسة، لا سيما وأن كنيسة المسيح واحدة، يرجون أن تعمل الطوائف المسيحية على تخطّي الانقسامات وتسعى إلى الوحدة المسيحية، لا سيما وأن الإله الذي نؤمن به هو إله واحد. وقد قامت عدة حركات مسيحية مؤخراً تدعو إلى الوحدة. وتُقام حالياً الصلوات في فترات معينة وفي جميع أنحاء العالم من أجل الوحدة المسيحية. فنرجو أن تتحقق الوحدة سريعاً تحت راية رئيس الإيمان ومكمله الرب يسوع المسيح، الإله الواحد، والوسيط الواحد، ومخلص البشرية الوحيد.
مع تحيات قاسم إبراهيم
- عدد الزيارات: 9725