Skip to main content

من هم أتباع المسيح؟

الصديق العزيز

كانوا ثلاثة ينتظرون بفارغ الصبر فرصة سامحة لمقابلة يسوع والحديث إليه. وللثلاثة شبه استعداد لاتباع يسوع.

ثلاثة رجال، ثلاثة أجوبة، وهذه الأجوبة تبين مطالب الرب يسوع ممن يدعوهم لخدمته والمناداة برسالته..

كان يسوع يعد لائحة السبعين رجلا الذين سيرسلهم اثنين اثنين أمام وجهه إلى كل مدينة وكل موضع كان مزمعا أن يقدم إليه.

أما "المرشح " الأول فتقدم طوعا، عرض نفسه للخدمة.

قال الأول ليسوع: " يا سيد اتبعك أينما تمضي ". فكان في جواب يسوع ما حيره:

" للثعالب أجرة، لطيور السماء أوكار. وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه".

وكان يسوع بجوابه هذا يقول: أريد من تلميذي التجرد عن كل ما يعقيه عن المجيء إلي، ويعيق تقدمه نحو ملكوت الله.

خيرات الأرض مهمة ومفيدة. ولكن إذا صارت عائقا لنا في حياتنا الروحية، فالأفضل أن نكون مستعدين للانفصال والتجرد عن هذه الخيرات أو أن نتخلى عن الإيمان ومقالبه وامتيازاته.

وأي مثال لهذا التجرد الأكمل من سيدنا المجيد.

كان حرا من أي عائق في سبيل إتمام رسالته وإكمالها.

نلاحظ أن المرشح الثاني لم يأت من تلقاء نفسه وإنما يسوع وجه إليه الدعوة قائلا: اتبعني.

فكان الجواب إمهالا وتسويفا قال - ولا يخلو ظاهر كلامه من الاحترام، ومن عاطفة البر البنيوي "يا سيد ائذن لي أن أمضي أولاً وادفن أبى".

هذا الكلام لا يدل على أن والد التلميذ قد مات وكان بانتظار الدفن، وإنما يدل على أن الابن لا يقدر أن يتركه ويترك بيته وأفراد عائلته قبل موت أبيه.

ويعلم الابن أن الموت قد يمهل أباه سنين. إذا كلام الابن دليل على انه لم يكن له الاستعداد التام للتلمذة.

أليست الو ثق العائلية، في الغالب، واثقا لنا في طريق الإيمان بالمسيح، وحائلا دون اتباع المسيح وخدمته ?

فقد لا يشاطرنا أهلنا إيماننا بالمسيح، ونلقى منهم المضايقة بسبب إيماننا.

كم من مرة سمعت أناسا يقولون: كانت لي رغبة الذهاب لخدمة الإنجيل... ولكن الظروف لم تساعدني، والواجبات والربط العائلية حالت دون تحقيق رغبتي.

أجاب يسوع - وقد يبدو جوابه لا ول وهلة جارحا: "دع الموتى يدفنون موتاهم. وأما أنت فاذهب وناد بملكوت الله ".

أن المسيح لا يمتهن الو ثق العائلية، وقد أعطانا، وهو على الصليب يخوض لحج العذابات الفادحة أروع مثال للعاطفة البنيوية اذ فك ر في أمه ووكلها إلى تلميذه الحبيب. ولكن المسيح بذل حياته لخلاص الناس، عالما أن الخلاص اعظم ما يحتاج إليه الناس. ولذلك يطالب المسيح تلاميذه بأن يكون لهم نفس هذا الاستعداد الذي كان له. ينبغي أن ينادوا بملكوت الله، ويرشدوا الناس إلى طريق الخلاص والحياة الحقيقية. " دع الموتى يدفنون موتاهم “. وإذا كان أفراد عائلتنا يقاومون المؤمن الحقيقي ويمنعونه من خدمة إنجيل الخلاص والحياة، فانهم يبرهنون بعملهم هذا على انهم أموات روحيا.

وعلى أي حال فان الرب أمين ولن يترك خادمه الأمين، بل يسد جميع حاجاته. والمسيحي الحقيقي له الوعد الثمين بأنه لن يكون منفيا منبوذا، بل سيجد عائلة جديدة. قال يسوع: " من يصنع مشيئة أبي الذي في السماوات هو أخي واخوتي وأمي ".

وتقد م المرشح الثالث للتلمذة من يسوع، فأكد نيته على اتباعه. ولكن وضع شرطا. قال: " أتبعك يا سيد. ولكن ائذن لي أولاً أن أود ع الذين في بيتي ".

قد يقول البعض: هذا الطلب معقول. ولكن هل ننسى ما تفرضه العادات المرعية، في التوديع، من إقامة احتفال، وتوجيه الدعوة للآهل والأقارب والجيران والأصدقاء ? وهل ننسى أن أعداد الاحتفال يتطلب أياما، ويدوم الاحتفال بضعة أيام مشبعة بالأنغام والرقص... ومن المعقول جدا أن حفلة التوديع تفقدنا ما كان عليه من حسن استعداد لاتباع يسوع ?

والأمر المؤكد أن في كلام هذا " المرشح " ما يدل على الخفة وقلة التبس ر. أفها يعلم أن الاتباع مسألة في غاية الأهمية، ومسألة ملحة جدا ? وأي شيء أهم واشد إلحاحا من المناداة بملكوت الله، وارشاد الجموع المتعبة السقيمة إلى الراعي الذي يريد أن يكون مخلصها وسيدها ?

أيدعى أحد امتياز الخدمة المباركة في حقل الإنجيل ويظهر مثل هذه الخفة وقلة التبصر ? أنرى الجموع تهلك جوعا وعطشا الى بشرى الحياة ونبدي قل ة استعداد لمباشرة الخدمة فورا ? ألا نثبت بذلك اننا لسنا أهلا لهذه الخدمة المجيدة ?

هذا ما يشد د عليه كلام المسيح لذلك المرشح: " ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر الى الوراء يصلح لملكوت الله ".

يعلم يسوع ان زمان ارتفاعه قد دنا، وأن الصليب يرتسم امام عينيه، وان عمل الفداء العظيم سيكمل، وان ذبيحة الكفارية ستجري الصلح والسلام بين الله وربوات ربوات المفدين المخلصين. وفيما نرى قلب المسيح متأججا بالمحبة والغيرة على خلاص هؤلاء الناس، نرى التلميذ الثالث يستأذن، قبل مباشرة الخدمة التي انتدب اليها، في الذهاب لتوديع الاهل باحتفال صاحب. حقا ان قلة وزانته دليل على عدم اهليته لملكوت الله.

لسنا نعلم ما اذا كان هؤلا الثلاثة فيما بعد في عداد السبعين تلميذا الذين عي نهم يسوع. ولكننا نعلم يقينا ان فى كلام المسيح لهم تحديا لنا. فالمسيح يهيب بنا للذهاب الى لخدمة.

كم من اناس يترددون لانهم لا يتحررون من وثائق الخيرات الزائلة.

كم من اناس متروعين متحرزين من سخط أفراد عائلتهم فضلوا هجر خدمة الانجيل على ان يقطعوا الصلة بأهلهم او يثيروا سخط ذويهم عليهم.

كم من مؤمنين سطحيين لم يفهموا قيمة الايمان ومطالبة، و لا قيمة خدمة الرب يسوع فاظهروا بتصرفهم خفة وطيشا وقلة تبصر.

ماذا يعني ان على من يتبع يسوع عليه أن يبغض اباه وأمه ?

ورد في انجيل المسيح كما دونه لوقا البشير، قول المسيح: " أن جاء الي أحد ولم يبغض أباه وأمه وزوجته وأولاده واخوته، بل نفسه أيضا، فلا يمكنه أن يكون لي تلميذا. فما معنى هذا القول يا ترى.

عندما يقرأ البعض هذه الآية وبشكل خاص عبارة " يبغض اباه وامه " الخ... يظن ان المسيح يدعو من يتبعه الى كراهية الأهل وهجرهم. ان المسيح في تعليمه هذا، لا يمكن ان يجعل تناقضا في كلمة الله اذ ورد في الوصية الخامسة من الوصايا العشر قوله " أكرم أباك وأمك ". ولذا، يجب ان تفهم كلمة يبغض على أنها تعني (يحب أقل) ويقصد المسيح بذلك ان محبته واتباعه هما الأساس في حياة المؤمن وكل ما عدا ذلك فروع تأتي بالدرجة الثانية. المكان الأول في المحبة والطاعة هو للمسيح. وما عدا ذلك في المكان الثاني، وعلى المؤمن الذي يريد أن يكون تلميذا وفيما للمسيح ان يجعل محبة الأهل كأنها بغض وكراهية بالنسبة لمحبته للمسيح.

عندما يريد أحدنا أن يقول عن شيء ما بأنه نظيف وناصع البياض، ينعته بقوله (ابيض من الثلج) او قد يقول أحدهم (ان الثلج يبدو أسود بجانب ذلك الشيء)، ومع ان في ذلك مبالغة، الا أنها تعني البياض الناصع الذي يفوق بياض الثلج. وهكذا في محبة المسيح العظيمة، والتي يجب ان تبدو محبة الأهل الى جانبها بغضا لهم. 

لمزيد من الفائدة والإضطلاع على موضوعات مشابهة، الرجاء زيارة موقع النور.
  • عدد الزيارات: 5982