ما هو سبب القلق والشعور بالوحدة؟
الصديق العزيز تحية طيبة وبعد
في العظة على الجبل علم الرب يسوع المسيح سامعيه أن يتجنبوا العوامل التي يمكنها أن تشوش سعادة الإنسان، فقال: "لا تهتموا للغد لان الغد يهتم بما لنفسه يكفي اليوم شره" (متى 34:6) وهذا لا يعني أن المسيح ينكر علينا أعداد العدة لغدنا، وإنما أراد أن لا نبالغ في هذه الناحية لئلا تصير أعباء الحياة همّا مزعجا، لان الهم مرادف للقلق. والقلق خدمة لليأس. وحين قال له المجد يكفي اليوم شره كان يكشف لنا عن وجود شر يومي، علينا أن نواجهه. وهذا الشر يتكون أولاً من الرواسب التي خلفتها لنا معاكسات الأمس، وثانياً من هم اليوم الذي نحن فيه، والذي بعدم حكمتنا نضيف إليه هم الغد أيضا. أضف إلى ذلك شعورنا بالوحدة في مشاكلنا، وبأنه ليس هناك من يقف بجانبنا.
وتقتضي الحكمة أن لا نجسّم هذه الهموم أو الشعور بالوحدة. وإنما الأجدر أن نستقبلها ببساطة، بثـقة في صلاح الله، الذي قال:"لا أهملك ولا أتركك". ومن المسلم به أن الله صالح، وأن إلى الأبد رحمته، والى دور فدور أمانته، هكذا قال داود النبي، الذي اختبر عون الله في مناسبات عديدة، وكتب لنا نصيحته الخالدة”: طلبت إلى الرب فاستجاب لي ومن كل مخاوفي أنقذني… اتقوا الله يا قديسيه لأنه ليس عوز لمتقيه. الأشبال احتاجت وجاعت آما طالبو الرب فلا يعوزهم شيء من الخير" (مزمور 34: 4 – 9).
نعم، وهذا الإله الصالح من عظم لطفه بنا لا يريد أن نكون من المتشائمين الذين ينظرون الأشياء من جهتها المظلمة. فلا يرون إلا الشر مزمعا أن يقع بهم. والتشاؤم ليس في الواقع إلا نقصا في الإيمان، وعاملا شديدا في قتل الرجاء وإضعاف المحبة. ويقينا، ماذا يستفيد الإنسان في مبالغته في الاهتمام، إلا أن يصبح اهتمامه عبئا ثقيلا تنوء به نفسه، فيقوم عنده ألف سؤال وسؤال مثل: ما السبب؟ ولماذا؟ وكيف؟ قال المسيح: "من منكم إذا اهتم، يقدر أن يزيد على قامته ذراعا واحدة".
صحيح إن لكل يوم شره، وبالتالي همه. ولكن في كل يوم توجد أشياء أخرى غير الشر. توجد المحبة التي هي رباط الكمال، يوجد الفرح في الروح القدس، يوجد الخلق الكريم، يوجد الحق والرحمة. وكل إنسان يقف في ضوء وجه الله، يتبين أن الحياة جميلة وسعيدة رغم ما فيها من نقاط صعبة. أما بالنسبة للشخص المتشائم الذي يرتبك لأقل مشكلة، فهي عبء ثقيل، وهمّ أثقل.
حين زار المسيح صديقه لعازر، أرادت أخته الكبرى أن تبالغ في إكرام الضيف الإلهي، فارتبكت في أمرها، ولم تدري ماذا تعد له من مآكل شهية، وحفاوة تليق بعظمته فعاتبها الرب على مبالغتها إذ قال لها: "مرثا، مرثا، أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة ولكن الحاجة إلى واحد" (لوقا 43-42:10).
ما اقصر نظر الذين يضطربون تحت ثقل شعورهم بالوحدة أو لأجل أمور معيشتهم. هؤلاء علاقتهم بالله تقتصر على تذكيره بواجباته نحوهم. بينما لو تبعنا مشورة الرب يسوع، حين قال "اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره وهذه كلها تزداد لكم" (متى 6: 33)، لتخلصنا حينئذ من اخطر أمراض القرن العشرين، اعني به القلق، الذي يتلف حياة الكثير من الناس. لقد دلت الإحصائيات على إن ما يباع في العالم من أدوية منومة، يتجاوز ما يباع من أصناف الأدوية الأخرى مجتمعة. وهذا يدل على إن معظم الناس في قلق مستمر مما يأتي به الغد، الأمر الذي يسبب لهم الأرق.
فما أحرانا أن نضع ثقتنا في المسيح، رفيق دربنا الذي قال: "أنتم أفضل من عصافير كثيرة". المسيح هو هو: أمسا واليوم وغدا والى الأبد.
يا صديقي تأكد أن إزاء همّ كل يوم، يوجد اهتمام الرب ووعده المبارك لا أهملك. وان إزاء شر كل يوم، يوجد صلاح الله، الذي يجعل كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبونه. وان إزاء أحزان كل يوم، توجد تعزيات الله بالمسيح، الذي أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها. وان إزاء جهالات كل يوم توجد نعمة المسيح، الذي هو غني في الرحمة من اجل محبته الكثيرة. وان إزاء ضعفات كل يوم، توجد قوة الله. الذي قال لبولس: تكفيك نعمتي، لان قوتي في الضعف تكمل. وإزاء الشعور بالوحدة، يوجد قول المسيح "ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر".
فلنثق في الله، في كل أمورنا، ولنتكل علينه في كل ظروف حياتنا. ولنسلك بالمحبة مع الجميع، لأن حيث توجد المحبة يوجد الله. وحيث يوجد الله يوجد السلام. وحيث يوجد السلام، لا يكون هم أو قلق.
مع تحيات قاسم إبراهيم
- عدد الزيارات: 5024