هل تتناسب المسيحية مع العلم والعصر الحديث؟
إلى الصديق العزيز
- مما لا شك فيه أن الدين المسيحي يتناسب مع العصر الحديث، كما يطابق غيره من العصور السابعة واللاحقة. فالدين المسيحي دين سماوي مبني على التعاليم السماوية وعلى دستور السماء الذي رتّبه رب الكائنات، القادر على كل شيء والعالِم بكل شيء. وبما أن الله لم يضع تعاليمه لعصر معين بل لكل العصور، فإن الدين المسيحي الذي يدعو إلى المحبة والإخاء والتسامح، هو دين كل العصور لا دين عصر معين فقط. ويقول الكتاب المقدس بهذا الصدد: "وأما كلمة إلهنا فتثبت إلى الأبد" (إشعياء 8:40). ويقول أيضاً عن السيد المسيح الذي هو محور الكتاب المقدس لدى المسيحيين: "يسوع المسيح، هو أمساً واليوم وإلى الأبد" (عبرانيين 8:13). وهذا يعني أن السيد المسيح وتعاليمه ثابتان إلى الأبد. ويقول الكتاب المقدس أيضاً: "وأما كلمة الرب فتثبت إلى الأبد وهذه هي الكلمة التي بُشِّرتم بها" (1بطرس 25:1). فكافة المراجع الكتابية تشير إلى أن الدين المسيحي هو دين كل العصور. والكتاب المقدس الذي هو كلام الله مليء بالتأكيدات التي لا يمكن حصرها. فكلامه وشرائعه وتعاليمه باقية وستبقى إلى الأبد. وكيف لا تدوم التعاليم التي تدعو إلى المحبة والإخاء والمسامحة والغفران والخلاص والفداء؟ فهل المحبة تختص بعصر معين دون سواه؟
لا شك أن تعاليم الديانة المسيحية يحتاجها الإنسان على مرّ العصور لا سيما في مثل هذا العصر الذي فترت فيه محبة الإنسان لأخيه الإنسان وتفشّت فيه روح الضغينة والانتقام. لو رجع الناس إلى تعاليم الإنجيل المقدس وساروا بموجبها لعمَّ السلام، وانتشر لواء المحبة بين البشر. وما يجدر ذكره أن تعاليم السيد المسيح تدور حول المحبة. محبة الإنسان لله ومحبة الإنسان لأخيه الإنسان. فكيف لا يمكن لمثل هذه التعاليم السامية ألا تدوم؟ وكيف يمكن أن تنكر محبة الله للناس التي أظهرها بمجيء المسيح المخلص الذي أحب كل الناس ومات على الصليب لأجل خلاصهم من الشرّ والخطية؟ فتعاليم الدين المسيحي هي لكل العصور ويجدر بكل إنسان أن يتأملها ويسير بموجبها.
أما فيما إذا كانت تعاليم الدين المسيحي تتوافق مع العلم الحديث وتؤيده نقول: "لا شك أن الدين المسيحي يتوافق مع العلم الحديث ولا ندري لماذا يعتقد البعض أن العلم والدين لا يتفقان. فالدين المسيحي مبني على كلمة الله، ونحن نعلم أن الله نفسه هو مبدع هذا الكون بما فيه علوم وفنون. فعندما نقول إن العلم والدين لا يتّفقان، فكأننا نقول بطريقة غير مباشرة إن الله يعرف أشياء دون الأخرى. وحاشا لله القادر على كل شيء والعليم بكل شيء أن يكون محدود المعرفة. ولكن ما يحدث أحياناً أن بعض الناس ينظرون إلى الكتاب المقدس ككتاب علمي ويتوقّعون أن يجدوا فيه بعض المعادلات الكيميائية، وأخبار الاكتشافات وغزو الفضاء وغيرها. وعندما لا يجدونها يعتقدون أن العلم والدين لا يتفقان وهذا خطأ. إذ أن الكتاب المقدس يحتوي على كلمة الله، ويحدثنا عن خلق الله للعالم ومحبته له وعن فدائه للبشر بواسطة المسيح، ولم يقصد به أن يكون كتاباً علمياً يتحدث به الله عن الاكتشافات والاختراعات. فكل ما يفعله الإنسان بهذا الصدد، يفعله بواسطة عقله الذي منحه إياه الله والجدير بالذكر أن الكتاب المقدس يتكلم عن بعض الأمور العلمية، وأن مثل هذه الأمور مدوّنة فيه قبل أن يكتشفها البشر.
ونقدم مثلاً بسيطاً وهو أن الإنسان لم يعرف أن الأرض كروية إلا منذ قرون معدودة، مع العلم أن الكتاب المقدس ذكر قبل أن تُكتشف نظرية الأرض، وذلك في سفر إشعياء: ".. الجالس على كرة الأرض" (إشعياء 22:40).
ورغم أن الكتاب المقدس يتكلم عن بعض الأمور العلمية، علينا ألا ننظر إليه ككتاب علمي، وإنما ككتاب روحي يخبرنا عن الله وعمله في الخليقة، عن تعامله مع البشر بواسطة أنبيائه ورسله. وأخيراً عن محبته للعالم وفدائه للخطاة بواسطة المسيح المخلص الذي جاء إلى هذا العالم وقدم نفسه فداءً عن الخطاة على خشبة الخلاص.
وهكذا، فإن الدين المسيحي المبني على كلمة الله المدوّنة في الكتاب المقدس لا يتعارض مع العلم الحديث بل يؤيّده، ويؤكد أن كل ما يتوصل إليه الإنسان من علوم واختراعات، إنما يفعل ذلك بواسطة عقله المبدع الذي منحه إياه الله القادر على كل شيء والعالم بكل شيء.
مع تحيات قاسم ابراهيم
- عدد الزيارات: 5702