Skip to main content

من هو الإنسان؟

أما الآن يا صديقي، وقد شرحت لك باختصار وجزئياً ما يؤمن به المسيحيون بخصوص الله، سأحاول أن أقول لك بما يفكرون فيه حول طبيعة الإنسان. إن تكوين فكرة صحيحة عن الإنسان أمر مهم يكاد يصل إلى مستوى تكوين معرفة حقيقية عن الله. إن فهمنا لماهية الإنسان تأتي بشكل رئيسي من الكتاب المقدس. في بداية الكتاب المقدس، مكتوب أن الله، عندما أنهى خلق السماوات والأرض وكل النباتات والحيوانات، بعدها "خَلَقَ اللهُ الإنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَراً وَأنْثَى خَلَقَهُمْ" (تكوين 1: 27). هذا بالتأكيد لا يعني أن الله له جسد، وأنه صنع للإنسان جسداً على شكله. بل يعني أن الإنسان قد خُلق على شبه روحي مع الله. لقد أعطى الله الإنسان عقلاً ليُفكر، وقلباً ليحب، وضميراً ليميز بين الخير والشر، وإرادة ليصنع ما هو صواب، ولساناً ينطق به، وروحاً يستطيع بها أن يعيش الشركة مع الله. ومن هنا، فأن يكون الإنسان مخلوقاً على صورة الله يمكنه من أن يعرف الله وأن يتواصل معه. لذلك فإن الإنسان هو أسمى المخلوقات.

لم يكن الإنسان إلهاً، كما يقول البعض بالخطأ. بل كان قريباً جداً إلى الله، وكان صالحاً بالكلّية، إذ لم يكن فيه شر. لم يكن آلةً أيضاً، لأن الله حباه إرادةً بقدرة على الاختيار. لقد جعل الله الإنسانَ وكيلاً حراً، لكيما يستطيع أن يختار بملء إرادته أن يطيع ويحبّ ويخدم خالقَه. لقد كانت رغبة الله أن يكون الناس الذين خلقهم على هذه الأرض أبناء حقيقيين له، فيحبونه كأب لهم، ويحبوا بعضهم بعضاً كأخوة، وأن يعملوا عمل الله على الأرض بكل سرور. هناك على الأرض أجناس بشرية عديدة، مع اختلافات فيما بينها في الملامح ولون البشرة واللغة، ولكنها جميعاً من دم واحد، وجميعها تنتمي إلى عائلة واحدة، وجميعهم محبوبون من قِبَلِ الله الذي خلقهم جميعاً.

ولكن، يؤسفني القول أن رغبة الله للإنسان لم تُدرَك. فالإنسان بدلاً من استخدامه لحرية إرادته في إطاعة وخدمة الله، استخدمها ليتمرد عليه، كما يخبرنا الأصحاحان الثاني والثالث من سفر التكوين. لقد أمر الله آدم وحواء، جدين أولين، ألا يأكلا من ثمر شجرة معرفة الخير والشر. هذه الشجرة كانت وسط جنة عدن حيث وضعهما الله. وكان قد أخبرهما أنهما إذا ما عصياه وأكلا من الشجرة سيموتان بالتأكيد. فدخل الشيطان إلى الجنة على هيئة حية وأقنع حواء أن تأكل الثمر. ثم أعطتها بدورها إلى آدم فأكل منها أيضاً. إن تصرف جدين الأولين لم يكن خطأ فقط، خطيئة بدون تفكير، بل كانت تصرفاً متعمداً من التمرد ضد الله ملكهما. بمعنى آخر، لقد أرادا أن يكونا آلهةً. لم يريدا أن يكونا خاضعين لمشيئة الله، بل بالأحرى فعلا تماماً كما أرادا هما أنفسهما. وماذا كانت النتيجة؟ تكلم الله إليهما، ووبخهما بشدة، وطردهما من الجنة ليعيشا في عالم من الألم والمعاناة.

والأسوأ من ذلك، هو أن آدم وحواء قد خسرا التواصل مع الله، وبالنتيجة تبدلا بالكلية. قبل ذلك كانا مقدسين وبارين، ولكنهما الآن صارا نجسين. قبل أن يعصيا الله كانا قادرين على أن يفعلا كل ما كان يريده الله منهما، أما الآن، ورغم أنهما عرفا ما كان صائباً، فقد كانت تعوزهما القدرة على القيام بذلك. فبدأا يبغضان ما كان صالحاً ويحبان ما كان شراً. هذا التمرد ضد الله يدعى في الكتاب المقدس خطيئة ونتيجتها الموت.

هذه القصة خطيئة الإنسان الأولى هي ذات أهمية بالغة بالنسبة لنا، إذ من خلالها نستطيع أن نفهم حالة الجنس البشري اليوم. الناس في العالم ليسوا أنقياء ومقدسين كما كان آدم وحواء عندما خلقهما الله. لكي ندرك ذلك لا نحتاج إلى النظر إلى الآخرين، بل دعنا ننظر إلى قلوبنا وذواتنا. أفلا نفعل غالباً ما نعرف أنه خطأ؟ نقول أنه من الخطأ أن نكذب، ولكننا أحياناً نقول أشياء غير صحيحة. نقول أن المحبة أفضل من الكراهية، ولكننا غالباً ما نبغض الآخرين. لماذا نتصرف على هذا النحو؟ ذلك لأننا ورثنا الطبيعة الخاطئة لجدينا الأولين، ونحن مثلهما غير راغبين وغير قادرين على إطاعة الله بشكل كامل.

عندما يُولدُ طفل في العالم يبدو لأول وهلة أنه نقي وبلا خطيئة، ولكن سرعان ما يبدأ الشر بالظهور فيه. وذلك كما قال النبي داود عن نفسه: "هَئَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي" (مز 51: 5). ولذلك فإننا مجبرون على الاعتراف بأن كل البشر خطاة، ونُقر بصحة كلمة الله التي تقول: "اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ مَنْ يَعْرِفُهُ!" (إرميا 17: 9). أن يسوع المسيح قال: "لأَنَّهُ مِنَ الدَّاخِلِ مِنْ قُلُوبِ النَّاسِ تَخْرُجُ الأَفْكَارُ الشِّرِّيرَةُ: زِنىً فِسْقٌ قَتْلٌ سِرْقَةٌ طَمَعٌ خُبْثٌ مَكْرٌ عَهَارَةٌ عَيْنٌ شِرِّيرَةٌ تَجْدِيفٌ كِبْرِيَاءُ جَهْلٌ. جَمِيعُ هَذِهِ الشُّرُورِ تَخْرُجُ مِنَ الدَّاخِلِ وَتُنَجِّسُ الإِنْسَانَ" (مرقس 7 : 21- 23). والله الذي يعرف قلوب كل الناس قال: "ما من أحد بار، لا، ولا واحد" (رومية 3: 10). ولكن هناك استثناء وحيد، شخص أعظم من إنسان، سأكتب لك عنه لاحقاً.

كم هو مريع إذاً وضع الإنسان! إذ بعصيانه دمر علاقته مع الله، وبالتالي صار كخروف ضال على وشك أن يهلك في الصحراء. وإذ ما عاد ابناً حقيقياً لله صار عدواً لله وعبداً للخطيئة والشيطان. ولكونه عاجزاً عن السير في طريق الله المقدس صار الإنسان بالفعل ميتاً في الخطية. وكما قال الله لآدم، أجرة الخطيئة هي موت، جسدياً وروحياً.

لمزيد من الفائدة والإضطلاع على موضوعات مشابهة، الرجاء زيارة موقع النور.
  • عدد الزيارات: 8917