Skip to main content

الفصل الأول: هل هناك إله؟

ربما مرَّت بك أوقات بدت فيها الأمور بلا أمل، حتى أنك لم تشك في محبة الله فقط، بل تساءلت أيضاً عن وجوده!

لم يشرح لنا الكتاب المقدس وجود الله ولا أثبته، ولكنه ببساطة اعتبره أمراً مسلَّماً به. وتقول أول عبارة فيه: "فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ" (تكوين 1:1). وهذا تصريح بسيط وعميق يعلن أن الله موجود وأنه سبحانه خالق الكون.

منذ عدة سنوات حصلت زوجتي على وظيفة رئاسية في التمريض في إحدى أشهرالمستشفيات النفسية في أوروبا. وذات يوم سخر طبيب أمراض نفسية مشهور من إيمانها، وكان يفتخر بأنه ملحد. فأجابته: "يا دكتور، أنت تعلم أني أحترمك جداً كمتخصّص في مجالك، فأنت مُحاضر جامعي عظيم، واسمك مشهور في مجال العمل الطبي. ولكن هل تسمح لي أن أقترح عليك قبل أن تبدأ في الإعلان ثانية بأنك ملحد أن تقرأ الكتاب المقدس بنفس الجدية التي تميَّزت بها أبحاثك النفسية؟". ثم ذكَّرته بالعديد من مرضاه الذين خرجوا أصحاء من قسم الأمراض النفسية المزمنة بعد التغييرات العجيبة التي أحدثتها قوة الله في حياتهم. وذكرت له اسم مريضين كانا قد تغيَّرا بطريقة درامية، ويعيشان بعد تمام شفائهما حياة مثمرة. وحدَّثته كيف أن هذين المريضين عرفا الله بطريقة شخصية. وكان الطبيب يعلم تماماً أن هذين المريضين لم يتلقَّيا العلاج النفسي بالطرق الحديثة. ولم يكن يقدر، لا كملحدٍ ولا كطبيب نفساني، أن يفسِّر ظاهرة شفائهما وتغيير حياتيهما بطريقة علمية!

وهنا طلب هذا الطبيب (الذي ذكر توّاً أنه لا يؤمن بالله) من زوجتي أن تصلي من أجله، ووعدها أنه لأول مرة في حياته سوف يبدأ قراءة الكتاب المقدس بجديَّة وفكر منفتح.

وبعد سبعة أسابيع من القراءة الدقيقة قال الطبيب النفساني لزوجتي إنه لم يعُد بعد قادراً أن يجاهر بإلحاده. ومع ذلك فقد كانت عنده مشكلة: إن تسليم نفسه لله يتطلَّب منه تغيير أسلوب حياته. وقال: "لم تعُد مشكلتي عقلانية، لكني أجد نفسي عاجزاً عن قبول التغييرات التي قد تحدث في حياتي إن أصبحتُ مؤمناً مُخْلصاً".

وبعد أن صلّينا من أجل صديقنا الطبيب لمدة عشر سنوات استلمنا منه خطاباً يخبرنا عن إيمانه الذي حصل عليه مؤخَّراً، وعن تسليمه الشخصي لله. ففاضت قلوبنا بالفرح، ولكن بدون دهشة، لأننا كنا نعرف "إِذاً الْإِيمَانُ بِالْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ بِكَلِمَةِ اللّهِ" (رومية 10:17).

لقد أراد الله أن يعرِّفنا نحن البشر بنفسه، فأودع في داخلنا إحساساً عميقاً بوجوده.

ربما اختار بعض الناس أن لا يؤمنوا بالله، ولكن ليس هناك إنسان على كوكب الأرض يستحيل عليه أن يؤمن بالله، فقد أعطانا الله في الكون براهين كثيرة مقنعة بوجوده. وكلما زادت معرفتنا العلمية بأسرار الكون، يستحيل أن نقول إن هذا الكون قد أتى إلى الوجود  بدون مصمِّم ومخطط. إن أحداً لا يستطيع أن يدّعي أن مركبة فضائية تسبح عالياً في الفضاء وتدور حول الأرض ثم تهبط في اللحظة والمكان المحدَّدين لها من قبل، بدون العبقرية الخلاّقة والتعاون الكامل بين المصمّمين والفنيين وعلماء الرياضة.

أليس هذا ما نراه في غروب الشمس، وتعاقب الفصول، وحركة المجموعات الشمسية والذرات، وقوة الجاذبية الأرضية، وقدرة المحبة؟ وكل هذه لا يمكن أبداً أن توجد بدون ذلك التخطيط والتصميم من إله خالق.

ويحتاج التصديق "أن الخليقة وُجدت بالصدفة" إلى مجهود أكبر مليون مرة من المجهود الذي نحتاجه لنؤمن أن الله هو الخالق المبدع لكوننا، فلا تصميم بدون مُصمّم، ولا حركة بدون مُحرّك. حتى الحكومة التي تنكر وجود الله، تعلن عن ثقتها في قوانين الكون ونظامه كلما أطلقت ملاّحاً إلى الفضاء. ولا يستطيع ملاحو الفضاء أن يعودوا سالمين إلى الأرض إلا إذا خضعوا لقوانين الطبيعة، التي يُعتمد عليها دائماً!

إننا ندرك القوة المدمِّرة التي تنطلق مع انفجار القنبلة الذرية، ومع ذلك فإن الشمس تطلق كل ثانية مقداراً من الطاقة يعادل خمسة آلاف بليون قنبلة ذرية. وبالمقارنة بالطاقة التي تطلقها النجوم، فإن شمسنا ليست كبيرة جداً، كما أننا لا نعرف بالتحديد عدد النجوم السائرة في الكون.

ورغم أن بلايين النجوم تتراءى على مرمى بصر الإنسان فإن هذه تُعتبر "المنطقة الهدابية" أي الحافة الخارجية للفضاء الواسع المجهول! واليوم، يدرك علماء الفضاء أن الطاقة المنطلقة من بعض المجموعات الشمسية هي أكبر ببلايين الأضعاف من الطاقة المنطلقة من الشمس! فكيف يمكن لهذه القوة أن توجد بغير خالق قوي؟

إن الخليقة تقودنا لنعرف إله التخطيط والتصميم، وإله القانون وإله القوة غير المحدودة. "السَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللّهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ. يَوْمٌ إِلَى يَوْمٍ يُذِيعُ كَلَاماً، وَلَيْلٌ إِلَى لَيْلٍ يُبْدِي عِلْماً. لَا قَوْلَ وَلَا كَلَامَ. لَا يُسْمَعُ صَوْتُهُمْ. فِي كُلِّ الْأَرْضِ خَرَجَ مَنْطِقُهُمْ، وَإِلَى أَقْصَى الْمَسْكُونَةِ كَلِمَاتُهُمْ. جَعَلَ لِلشَّمْسِ مَسْكَناً فِيهَا" (مزمور 19:1-4). "لِأَنَّ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ تُرَى أُمُورُهُ غَيْرُ الْمَنْظُورَةِ وَقُدْرَتُهُالسَّرْمَدِيَّةُ وَلَاهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلَا عُذْرٍ" (رومية 1:20). إذاً ليس هناك عذر لأي إنسان في أي وقت لينكر وجود الله.

وما أكثر الذين يشعرون بالضآلة والصغر والتواضع كلما تأملوا اتساع ونظام قوة الله الخالقة. ومن هؤلاء نبي الله داود الذي وقف خاشعاً أمام عظمة الله بالمقارنة بضعفه البشري، فتساءل: "إِذَا أَرَى سَمَاوَاتِكَ عَمَلَ أَصَابِعِكَ، الْقَمَرَ وَالنُّجُومَ الَّتِي كََوَّنْتَهَا، فَمَنْ هُوَ الْإِنْسَانُ حَتَّى تَذْكُرَهُ وَابْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ؟" (مزمور 8:3-4).

واليوم وقد زادت معلوماتنا عن سماوات النجوم التي تكبّرها التلسكوبات العملاقة إلى نصف مليون مرة، وحيث ترسل الأقمار الصناعية صوراً إلى كوكب الأرض أثناء رحلاتها في الفضاء الخارجي، قد نسأل نفس سؤال داود: "كيف يمكن لله الذي خلق كل هذا أن ينشغل بي أنا الضئيل؟".

ومع ذلك فإن عالم المجهر عظيم كعالم التلسكوب. فاليوم نعلم أن عالم الأجسام المتناهية في الصِّغر، والتي لا تُرى إلا بالمجهر مثير للدهشة، تماماً كجبروت الفضاء الخارجي. حتى أن الضوء أكبر وأكثر شدة من أن يكشف أسرار عالم "ما دونالمجهر". وما قد يفلت من مجهر المعمل التقليدي يمكن التقاطه بواسطة المجهرالإلكتروني الذي يستطيع أن يكشف لنا الروعة، والتصميم، والقانون، والقوة المتجسِّمة في عالمنا الصغير والدقيق جداً بدرجة لا تُقاس.

فإن كنت تتعجب كيف يهتم الله بإنسان ضئيل، فانصِت إلى علماء الطبيعة النووية وهم يخبرونك أن الأجسام المتناهية في الصِّغر هامة جداً لحفظ توازن الكون كله، فنيوترونات ذرَّة حجمها جزء واحد من 12 من الجزء التريليوني من البوصة تجمعالمادة لتصبح كتلة صلبة، ولولاها ينفجر العالم ويتبدد في انفجار كوني نووي. نعم إنللصغر والضآلة نفس أهمية الكبر والعظمة، بالنسبة إلى إله الخليقة. وعندما نسأل: "من هو الإنسان حتى تذكره؟" نكون مطمئنين لأننا نعرف أن حجم الإنسان لا يحدِّد قيمته. فهناك عوامل كثيرة جداً تشهد أن لنا قيمة شخصية عظيمة عند الله.

وقد أظهر الله لنا لماذا نحن ذوو قيمة عنده، وكيف أننا أعزاء في عينيه.

ورغم أن الخليقة نفسها تتحدث عن إله التخطيط والقانون والقدرة، إلا أن الله اختار طريقاً آخر ليعلن لنا ذاته كإله المحبة اللامحدودة، الذي يريد خيرنا الأعظم. ولتتعرَّف على هذا الإله ينبغي أن يكون لديك مرشد روحي تثق فيه ثقة كاملة.

وقفة للتفكير

هل يمكن أن يكون الكون المنظم هذا التنظيم المدهش قد وُجد بالصدفة، بدون إله خالق؟

تشهد الخليقة لك عن إله خالق، أعلن عن نظامه وقوانينه وقوته. ولكن هل تقدر الخليقة أن تشرح لك محبة الله ورحمته؟

  "يمكن أن يجتاز شخص كهفاً مظلماً بسهولة إن دخله يحمل مشعلاً" (أفلاطون).

 "الطبيعة هي الضوء المعتم الذي يدخل من فتحة كهف، أما كلمة الله فهي السراج المنير" (أ. ه. سترونج). 

لمزيد من الفائدة والإضطلاع على موضوعات مشابهة، الرجاء زيارة موقع النور.
  • عدد الزيارات: 3245