Skip to main content

الفصل الخامس: ما هي المشكلة الحقيقية؟

مع بداية هذا القرن كان كثيرون في غاية التفاؤل بخصوص مستقبل العالم، لأنهم ظنّوا أن العالم سيدخل عصراً ذهبياً من السلام والرفاهية. واعتقد كثيرون أن كل البلدان سترى بركات هذه الحقبة الجديدة، حتى في البلاد التي أحدث فيها الجهل والمرض والفقر معاناة هائلة. ولكن في سنة 1914 دوت صفارات الإنذار تعلن حرباً طاحنة في أوروبا! واليوم، بالرغم من الطفرات العلمية الفائقة التي نشهدها، لا يتكلم الناس عن غدٍ لامع، لكنك تجد الملايين في قلق بسبب قدرة مخازن الأسلحة النووية على تدمير العالم كله في لحظات. ويقول المراقبون السياسيون العارفون إنه بسبب المشاكل العالمية والقومية المعقدة فإن العالم اليوم يعيش أكثر سنواته حَرجاً وخطورة في تاريخ البشرية.

فما هو الخطأ؟

في محاولةٍ للإجابة على هذا السؤال يجتمع قادة العالم البارزون ليتناقشوا في أروقة الأمم المتحدة. وبينما هم يُنصتون لنظريات وافتراضات وآراء، ينتقل العالم من أزمة إلى أخرى. وبالرغم من أن مقداراً عظيماً من الطاقة والنفقات والمناقشات مستمر، إلا أن أحداً لا يبدو قادراً على تغيير الاتجاه الذي يسير إليه العالم. كما أن علماء وأطباء ورجال أعمال مرموقين يقدِّمون نصائحهم لإصلاح العالم، دون فائدة!

ومن النادر، إن لم يكن من المستحيل، أن نجد بين هؤلاء السياسيين الكبار من يرجع إلى ما قاله الله عن مشكلة الإنسان الفعلية. مع أن المعلومات الأوَّلية في الكتاب المقدس يمكن أن تمدّ يد العون لهؤلاء السياسيين. ولأننا يجب أن نعرف المشكلة الأساسية قبل أن نوجِد لها الحل، فإن الله في محبته أعلن لنا أولاً أسباب مشكلتنا.

عندما خلق الله الإنسان قال: "نَعْمَلُ الْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا" (تكوين 1:26). وربما تسأل: "كيف خُلق الإنسان على صورة الله؟". بالطبع لا يعني هذا تشابهاً طبيعياً جسمانياً، لأن "اَللّهُ رُوحٌ" (يوحنا 4:24) ليس له جسد مثلنا، وهو "سَاكِنٌ فِي نُورٍ لَا يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ" (1تيموثاوس 6:16). ولم يحدث أن رأينا إنساناً بدون جسد.. فلا بد أن يكون في الناس ما هو أعظم من مجرد أجسادهم التي يعيشون فيها. إنها أرواحهم الخالدة. ولن يجد الإنسان المعنى الحقيقي لحياته إلا عندما يسلّم نفسه وروحه لله في خضوع وحب وطاعة.

يوضح الكتاب المقدس إن لله عقلاً وعواطف وإرادة، وهكذا خُلق الإنسان على صورة الله. ولأنه هو الله الذي خلق الإنسان فإن تفكيره وعواطفه وإرادته هي لا نهائية بلا حدود. فهذه هي طبيعته. ولكن الإنسان مهما كان عظيماً فهو محدود. حتى أينشتين العلاّمة له عقل محدود. ليس هناك إنسان يعرف كل شيء، ويحب بلا حدود. وليست إرادة الإنسان هي التي تسيّر الكون. وليس الإنسان سيد مصيره ولا هو قائد نفسه.

ومع ذلك فشخصية الإنسان لها قدرة على المعرفة الروحية، وهو يقدر أن يعيش في أُنسٍ مع الله. والإنسان روح ونفس وجسد (1تسالونيكي 5:23). بروحه يقدر أن يتصل اتصالاً وثيقاً بخالقه، وبجسده ونفسه يقدر أن يتصل بالعالم المادي. ويضع الكتاب المقدس التنبير الأول على الروح، والثاني على النفس، والثالث على الجسد. وسنُحسن التصرُّف كلما راعينا هذا.

وما دام الإنسان يعطي الروح موضع الاهتمام الأول، والنفس ثانياً والجسد ثالثاً، يبقى كل شيء على ما يرام! ولكن خطأً يصيب تفكير الكثيرين فيعكسون الترتيب، ويعطون الجسد الأولوية الأولى، ويعطون نفوسهم المرتبة الثانية، وأخيراً تجيء أرواحهم! ولذلك تجد الرغبات الطبيعية والمادية والحسيَّة مسيطرة على تفكير وحديث وأمزجة كثيرين، بينما طاقاتهم الروحية ترقد خامدة أو ميتة. وبدل أن يسمحوا لله أن يُغني شخصياتهم التي خلقها ويسيطر عليها، يستبعدونه من حياتهم، فيضلّون لأنهم يفقدون الاتصال بخالقهم. والإنسان الذي يتغافل الله ويعيش بعيداً عنه هو إنسان ميت روحياً. أما الذي يتمتع بعلاقة فعلية معه فهو الإنسان الحي بالحق والتمام، لأن "اَللّهَ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ" (أفسس 2:4 و5).

بدأت مشكلات هذا العالم من إرادة الإنسان. فقد خلقنا الله أصحاب إرادة حرة، ولم يخلقنا دُمى يحرِّكها من على بُعد، وسمح لنا أن نتصرف كما نختار. ولكن مع هذه الإرادة الحرَّة تجيء مسؤوليتنا عن القرارات التي نتَّخذها.. كانت جنة عدن مليئة بالأشجار المثمرة، وأهمها شجرتان: "شَجَرَةَ الْحَيَاةِ" والأخرى "شَجَرَةَ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ" (تكوين 2:9). ولأن الله احترم إرادة آدم وحواء فقد أعطاهما الفرصة أن يأكلا من شجرة الحياة، ولم يمنعهما إلا عن الأكل من شجرة معرفة الخير والشر. وللأسف اختارا أن يأكلا من الشجرة الممنوعة! كان القرار قرارهما وحدهما، فقد كانت لديهما الحرية الكاملة ليختارا ما يأكلان. كان لهما الحق أن يختارا طاعة الله من عدمها. لو كانا قد أكلا من شجرة الحياة لكانا قد أعطيا الجنس البشري بُعداً جديداً من الحياة مع الله. لكنهما للأسف تمرّدا ضد الأصلح لهما ولنا من بعدهما. وسمح الله لهما أن يختارا ما يريدان، وهو عالمٌ بالمجد الذي سيُتاح بعد ذلك لآخرين يتَّخذون الاختيار الصحيح.

واستخدم الشيطانُ الكذّاب قدرته في الإقناع ليجرب آدم وحواء ليتَّخذا القرار الخطأ، فأضفى بكلامه سحراً على الثمرة المحرَّمة، واقترح أنهما لو أكلا منها سيصيران مثل الله. ولا زال الشيطان يقترح على الإنسان أن يصبح إله نفسه وقائد مسيرة حياته. ولكن سيبقى الله هو الله، لا يُنقِص من جلاله شيء، وسيبقى الإنسان إنساناً لا يقدر أن يزيد على قامته ذراعاً واحدة!

أغوى الشيطان آدم وحواء ليستخدما إرادتيهما ضد إرادة الله. ونتيجة لذلك انقطع كل البشر عن الشركة الحية الشخصية الوثيقة مع الخالق، لأن الكل ساروا في إثر خطوات آدم. "بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ" (رومية 5:12).

كل مدفن وكل مستشفى وكل جيش وكل سجن عرفه العالم، هو نتيجة اختيار خاطئ اتَّخذه إنسان. لقد أصاب هذا الوبأُ الوراثيُّ المميتُ الجنسَ البشريَّ كله. يكفي أن تنظر حولك لتتحقَّق من صِدق ذلك. ولم تقطع الخطية شركة الإنسان الحقيقية مع الله فحسب، بل أيضاً فصلته عن أخيه الإنسان.

أنت وأنا خطاة بالولادة وأيضاً خطاة بالفعل. لقد ضلَّ آدم فضلَّت ذريته! وعبَّر نبيُّ الله داود عن هذه الحقيقة في مزمور اعترافه المشهور، بعد أن اغتصب نعجة جاره، فقال: "بِالْإِثْمِ صُوِّرْتُ وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي" (مزمور 51:5). لكن هذا ليس عذراً لأعمال الخطية التي ارتكبناها. فالكتاب المقدس يقرر أننا: "أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ عَامِلِينَ مَشِيئَاتِ الْجَسَدِ وَالْأَفْكَارِ، وَكُنَّا بِالطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ الْغَضَبِ كَالْبَاقِينَ أَيْضاً" (أفسس 2:2 و3). إننا مذنبون أمام الله في ما ارتكبناه، ولا يمكن أن نلقي اللوم على زوجة ولا صديق ولا والد ولا حتى على البيئة التي نعيش فيها. كلنا مسؤول عن خطيته، وخطية كل واحد منا هي السبب الفعلي في كل ما نراه حولنا من العدوانية والأنانية. كلنا خطاة، يتساوى في ذلك الملحد والمؤمن، اليهودي والعربي، أهل العالم الثالث وأهل العالم الصناعي، الشيوعي والرأسمالي رجل الشرطة والمجرم. "الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللّهِ" (رومية 3:23). والخطية هي السبب الأساسي لكل التوتُّرات بين الناس. والمسيح وحده هو رجاء الخاطئ، فهو القائل: "لَمْ آتِ لِأَدْعُوَ أَبْرَاراً بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ" (متى 9:13). وكلمة "خطية" تعني: عدم إصابة الهدف. ويستوي الأمر إذا لم تُصب الهدف بمسافة كبيرة أم صغيرة! فأنت وأنا لم نُصب هدف حياتنا، وهو الوصول إلى القداسة التي يطلبها الله منا. ونحن عاجزون من تلقاء أنفسنا أن نعمل شيئاً يصحِّح ذلك. ولا فائدة من أن تظن أنك ستجد سلاماً مع الله بأن تكون صالحاً أو أن تفعل الصلاح، فإنه: "لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلَاحاً لَيْسَ وَلَا وَاحِدٌ. كَمَا هُوَ مَكْتوبٌ: "أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلَا وَاحِدٌ" (رومية 3:10 و12).

وفهمنا الحقيقي لرحمة الله هو الذي سيبعث في نفوسنا الأمل، فكلنا مقيّدون بسلاسل خطايانا، لكن الله "غني في الرحمة" (أفسس 2:4) وفي رحمته يريد أن يمنحك عطيته المجانية إن طلبتها "لِأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالْإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللّهِ" (أفسس 28). وبهذه العطية المجانية فتح المسيح الباب للخاطئ ليدخل إلى حضرة الله القدوس.

مرة أخرى أتاح الله، إله الرحمة، ثمار "شجرة الحياة" مجاناً ليتمتع الناس بها. ولكن لأنه أعطاك إرادة حرة، فهو لا يجبرك على أن تأكل. واستجابتك لعرض عطية الله المجانية هو أمر مُلّح وعاجل. يقول الرب: "هُوَذَا الْآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ. هُوَذَا الْآنَ يَوْمُ خَلَاصٍ" (2كورنثوس 6:2). الآن، وليس في وقتٍ ما في المستقبل. لا تحاول أن تصلح أمورك بنفسك، لكن تذكَّر أن المسيح قال: "لَمْ آتِ لِأَدْعُوَ أَبْرَاراً بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ" (متى 9:13).

يجب أن تكون أميناً مع نفسك من جهة أكبر مشكلة تواجهك الآن، وهي مشكلة الخطية. وهذه الأمانة الشخصية هي أول خطوة لحلِّها. إن ذراعي المسيح مفتوحتان لاستقبالك اليوم، أينما توجد، ومهما كانت حالتك. إنه يريد أن يسمع منك الآن صلاتك: "اللّهُمَّ ارْحَمْنِي أَنَا الْخَاطِئَ" (لوقا 18:13).

وقفة للتفكير

هل تشعر اليوم أن هناك خطأ مؤسفاً في المجتمع؟

عندما تكون مريضاً، هل سيكون تشخيص الطبيب للمرض قبل وصف العلاج لك أمراً حيوياً؟

كيف يشخِّص الكتاب المقدس مشكلتك؟ وما هو العلاج الذي تقترحه أنت لحلّها؟

"وَكَانَ قَبْلاً فِي الْمَدِينَةِ رَجُلٌ اسْمُهُ سِيمُونُ، يَسْتَعْمِلُ السِّحْرَ وَيُدْهِشُ شَعْبَ السَّامِرَةِ، قَائِلاً: "إِنَّهُ شَيْءٌ عَظِيمٌ!". وَكَانَ الْجَمِيعُ يَتْبَعُونَهُ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ قَائِلِينَ: "هذَا هُوَ قُوَّةُ اللّهِ الْعَظِيمَةُ" (أعمال الرسل 8:9 و10). 

لمزيد من الفائدة والإضطلاع على موضوعات مشابهة، الرجاء زيارة موقع النور.
  • عدد الزيارات: 3227