Skip to main content

الأنبياء

وحقق اللّه وعده!

أخيراً جاء الوقت الذي حقق اللّه فيه وعده لابراهيم، وافتقد الرب سارة كما قال، وفعل الرب كما تكلم، فحبلت سارة وولدت إبناً لإِبراهيم في شيخوخته، في الموعد الذي تكلم اللّه عنه. كان الملاك قد قال لإِبراهيم: "فِي الْمِيعَادِ أَرْجِعُ إِلَيْكَ نَحْوَ زَمَانِ الْحَيَاةِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ ابْنٌ" (تكوين 18:14). وتحقق الوعد تماماً كما قال اللّه، فإنه لا يخلف الميعاد ولو ظهر للناس أن وعده مستحيل. صدق المرنم عندما قال: "أَمَّا مُؤَامَرَةُ الرَّبِّ فَإِلَى الْأَبَدِ تَثْبُتُ. أَفْكَارُ قَلْبِهِ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ" (مزمور 33:11). أمين هو الذي وعد، صادق في تنفيذ الوعد. وكان إبراهيم ابن مئة سنة. وكانت سارة ابنة تسعين سنة. لكن اللّه حقق وعده بالرغم من هذا كله.

عزيزي القارئ، كم نشكر اللّه الأمين الذي يحقق مواعيده لنا، ولكننا نحتاج إلى طول الأناة، فإن السيد المسيح يقول: "بِصَبْرِكُمُ اقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ" (لوقا 21:19). وفي صبرنا تتحقق المواعيد، في الميعاد الذي رسمه اللّه في سلطانه. وطوبى لكل من ينتظر الرب ولا يتسرَّع.

ونحن نرى اليوم صِدْقَ مواعيد اللّه معنا في كل يوم. قال يشوع بعد أن اختبر اللّه، وعرف أمانته: "لَمْ تَسْقُطْ كَلِمَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْكَلَامِ الصَّالِحِ الَّذِي كَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، بَلِ الْكُلُّ صَارَ" (يشوع 21:45). وقبل أن يموت يشوع قال: "وَهَا أَنَا الْيَوْمَ ذَاهِبٌ فِي طَرِيقِ الْأَرْضِ كُلِّهَا. وَتَعْلَمُونَ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ وَكُلِّ أَنْفُسِكُمْ أَنَّهُ لَمْ تَسْقُطْ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْكَلَامِ الصَّالِحِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ عَنْكُمُ. الْكُلُّ صَارَ لَكُمْ. لَمْ تَسْقُطْ مِنْهُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ" (يشوع 23:14). لا شك أن كل واحد منا يقدر أن يختبر هذا في حياته، ولا شك أن عند اللّه موعداً محدداً لتحقيق مواعيده. وفي هذا درس عظيم لنا، وهو أن ننتظر الرب نفسه وليس مواعيد الرب. هناك من يطلب تحقيق المواعيد، ولا يطلب شخص الرب نفسه. هناك من يجري فقط وراء عطايا اللّه، لكنه لا يطلب صداقة اللّه. الموعد قد يتأخر، لكن اللّه لا يتأخر أبداً، والموعد قد يتحقق في المستقبل لكن الرب معنا في كل حين. فاطلُبْ من اللّه أن يعلمك كيف تنتظره هو شخصياً وليست المواعيد التي يقدمها لك. وقد حقق اللّه مواعيده لإِبراهيم الذي انتظر الرب.

دعا إبراهيم اسم ابنه الذي ولدته له سارة "إسحق". كما طلب الملاك. ومعنى إسحق "ضحك". قالت سارة: "قَدْ صَنَعَ إِلَيَّ اللّهُ ضِحْكاً. كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ يَضْحَكُ لِي" (تكوين 21:6). لقد ضحك إبراهيم من قبل ضحكة الاستغراب من وعد اللّه، الذي يستحيل تحقيقه، لأن جسد إبراهيم وجسد سارة لا يقدران أن ينجبا أولاداً. كان جسد إبراهيم وسارة ميِّتين بالنسبة لإِنجاب الأولاد. وضحكت سارة من قبل وهي لا تصدق كلام الملاك الذي قال لها إنه بعد سنة سيكون عندها ابن. لكن الضحك بعد ولادة إسحق كان يختلف. إنه ضحك الفرح بتحقيق الوعد. لقد نسي إبراهيم كل آلام الانتظار والصبر المر. لكن مرارة الصبر انتهت بعد ولادة إسحق. وحياتنا مع اللّه هي حياة ضحك وابتهاج مستمرَّيْن لأننا ندرك أمانة اللّه التي لا تتركنا أبداً، ويأمرنا الإِنجيل قائلاً: "اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ وَأَقُولُ أَيْضاً افْرَحُوا" (فيلبي 4:4). يظن البعض الناس أن المتديِّن هو الحزين، لكن هذا خطأ، فإن التوراة تقول: "بإسحق يُدعى لك نسل" نعم، بالفرح يتحقق لك الوعد. لذلك يقول المرنم في مزاميره: "حِينَئِذٍ امْتَلَأَتْ أَفْوَاهُنَا ضِحْكاً وَأَلْسِنَتُنَا تَرَنُّماً" (مزمور 126:2). ويتحدث النبي زكريا عن المدينة المباركة فيقول: "وَتَمْتَلِئُ أَسْوَاقُ الْمَدِينَةِ مِنَ الصِّبْيَانِ وَالْبَنَاتِ لَاعِبِينَ فِي أَسْوَاقِهَا" (زكريا 8:5). ولهذا السبب قال لنا السيد المسيح: "إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السماوات"، فإن الأولاد والصبيان والبنات يفرحون دائماً.

ختان إسحاق:

عندما كان عمر إسحق ثمانية أيام ختنه إبراهيم حسب أمر اللّه. وكان الختان علامة عهد في جسد إسحق، تُظهِر أن إسحق ابنٌ للرب ومِلْكٌ له. وبعد أن كبر فطمته أمه سارة، وصنع إبراهيم وليمة عظيمة يوم فطامه. وحسب عادة ذلك الوقت كان عمر إسحق من ثلاث إلى خمس سنوات عند فطامه. وجاءت مشكلة على إبراهيم وعلى بيته بسبب زواجه القديم من هاجر، فقد رأت سارة أن إسماعيل ابن هاجر يمزح من إسحق. نحن لا نعلم بالضبط ماذا كان إسماعيل يفعل، ولكن السخرية من الأخ الصغير تصرُّف طبيعي، فقَبْل ولادة إسحق كان إسماعيل صاحب المكان الأول في البيت، ولكن الاهتمام كله تحول منه إلى إسحق. وملأت الغيرة قلب إسماعيل. ثم أن هاجر عرفت أن كل الميراث سيذهب إلى إسحق. ولعلها شجعت إسماعيل حتى يمزح من إسحق. وذهبت سارة في غضب إلى إبراهيم وقالت: "اطْرُدْ هذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا، لِأَنَّ ابْنَ هذِهِ الْجَارِيَةِ لَا يَرِثُ مَعَ ابْنِي إِسْحَاقَ" (تكوين 21:10). لا شك أن سارة كانت تذكر الوعد الذي قاله اللّه من قبل: "وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيراً جِدّاً. اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيساً يَلِدُ، وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً. وَلكِنْ عَهْدِي أُقِيمُهُ مَعَ إِسْحَاقَ الَّذِي تَلِدُهُ لَكَ سَارَةُ فِي هذَا الْوَقْتِ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ" (تكوين 17:20، 21). وتضايق إبراهيم من كلام سارة. وتقول التوراة إن كلام سارة لم يعجب إبراهيم أبداً. ويرجع ذلك إلى أسباب منها أن إبراهيم كان يحب إسماعيل، فقد كان إسماعيل ابن سبع عشرة سنة عندما مزح مع إسحق. كان هذا الشاب القوي قد ملأ حياة إبراهيم بالنور والأمل، فكيف يطرد هذا الابن الذي ملأ عليه البيت. ثم أن إبراهيم كان يعتقد أن هذا العمل ظلم كبير من سارة على إسماعيل وعلى هاجر. كانت سارة صاحبة الفكر في أن يتزوج إبراهيم من هاجر. ولما حبلت هاجر تضايقت سارة. وها هي تتضايق مرة أخرى وتطلب من إبراهيم أن يطرد هاجر وابنها الذي هو ابن إبراهيم، وإبراهيم مسكين بين عواطفه وبين سارة. على أن إبراهيم كان يذكر الوعد الإِلهي الذي جرى بينه وبين اللّه عن إسماعيل. فعندما صلى: "ليت إسماعيل يعيش أمامك". قال اللّه له: "أما إسماعيل فقد سمعت لك فيه. ها أنا أباركه وأُثمره وأُكثره كثيراً جداً". فكيف يتحقق هذا الوعد إذا كان إبراهيم يطرد إسماعيل حسب كلام سارة؟ "فَقَالَ اللّهُ لِإِبْرَاهِيمَ: "لَا يَقْبُحُ فِي عَيْنَيْكَ مِنْ أَجْلِ الْغُلَامِ وَمِنْ أَجْلِ جَارِيَتِكَ. فِي كُلِّ مَا تَقُولُ لَكَ سَارَةُ اسْمَعْ لِقَوْلِهَا، لِأَنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ. وَابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضاً سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لِأَنَّهُ نَسْلُكَ" (تكوين 21:12 - 13).

إبراهيم يطرد إسماعيل:

طرد إبراهيم إسماعيل وهاجر من البيت، وكان في هذا حكمة أرادها اللّه، فقد كان إسماعيل يكبر ويحتاج إلى مكان أوسع لرعي مواشيه، ولو بقي إسماعيل مع إسحق، لكانت المخاصمة بين رعاة مواشي إسحق ورعاة مواشي إسماعيل ستبدأ. ثم أن اللّه قال إن إسماعيل إنسان وحشي يده على كل واحد ويد كل واحد عليه، ومن الصعب أن يعيش مع إسحق في مكان واحد. ثم إن الامتحان قادم على إبراهيم، إذ يقول اللّه له: "خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحق واصعده هناك محرقة". فإذا سكن إسماعيل مع إبراهيم يكون الامتحان بسيطاً، لكن إذا كان إسحق وحده يقيم مع إبراهيم فإن الامتحان يكون عظيماً، ويكون نجاح إبراهيم فيه رائعاً.

وفي الصباح أعطى إبراهيم هاجر قربة ماء وبعض الخبز، وصرفها هي وابنها إسماعيل، كما أوصاه اللّه. وتاهت هاجر في الصحراء وانتهى منها الماء، وكاد إسماعيل يموت عطشاً، فأرشد اللّه هاجر إلى بئر ماء ملأت منها القربة وسقت إسماعيل. وشجع الملاك هاجر بأن ابنها سيكون أمة عظيمة. وكان اللّه مع إسماعيل من أجل إبراهيم أبيه، وسكن إسماعيل في البرية وكان يصيد الحيوانات، ثم تزوج إسماعيل زوجة مصرية من بلد أمه.

عزيزي القارئ، إن إبراهيم يعلمنا دروساً عظيمة في الخضوع للمشيئة الإِلهية، وفي الثقة الكاملة باللّه. ولا عجب فهو خليل اللّه، واللّه يريد أن يكون خليلاً لكل واحد منا إن كنّا ندخل معه في عهد الحب والطاعة. 

لمزيد من الفائدة والإضطلاع على موضوعات مشابهة، الرجاء زيارة موقع النور.
  • عدد الزيارات: 6709