Skip to main content

تأملات في الحياة

الثغرة بين الجيلين

هل سمعت بالثغرة الفاصلة بين الجيلين؟ هذه عبارة جديدة تستعمل في العديد من بلدان العالم اليوم. وما هي الثغرة بين الجيلين؟ انها الهوة الفكرية والحياتية التي تفصل بين الجيل الناشء والاجيال التي سبقته. ولابد أنك تنتمي إلى أحد هذين القسمين : أنت اما شاب (أوشابة). في مقتبل العمر أو أن كنت قد اجتزت مرحلة الشباب تنظر إلى نفسك كجزء من الجيل الآخر – جيل ما فوق الشباب.

وفيما يلي ما ورد في جريدة أو مجلة عربية أسبوعية عن هذا الموضوع. ولست أريد أعطاء فكرة بأنني أو افق تماماً على آراء الكاتب. انما أظن بأن وصفه للهوة بين الجيلين وخاصة للجيل الناشىء هو وصف يستحق انتباهنا ويتطلب معالجة سريعة. قال الكاتب :

" يطلع جيل يهجم على الحياة كالسكران... جيل يعيش في القرن العشرين الغربي، يعاصر آخر الاسطوانات... ويمارس الحياة الجنسية بلا مركبات ومنذ السنين الباكرة. ولا يقرأ في الصحف الا الصور وإعلانات السينما. ولا تهمه الا سعادته. يطلع جيل يضحك عليك، يريد أن يعيش بحرية في قلب التسلية والذوق والجمال. الهه الموسيقى. طبائعه وصفاته يريك اياها في ملابسه التي على ايقاع تبدلها يسير الكون... فهو أزمته تكمن في المسافة الفاصلة بين الحياة والموت، بين الرغبة والكبت، بين الانطلاق والقيد، فقط. مجرد أزمة وجود جو هرية "

ماذا تقول أيها القارئ العزيز؟ كلمات شديدة للغاية؟ فيها مبالغة كبيرة جدا؟! كلمات لا تنطبق على الواقع الذي تعرفه أنت؟! طبعا أن ذلك الوصف الذي اقتبسته من الصحيفة الاسبوعية لا ينطبق – والحمد لله – على كل مكان أو قطر. لكن مهما فكرت فانك لن تستطيع إنكار أن العالم بأسره وبدرجات متفاوتة يتخبط اليوم في أزمة روحية / أخلاقية حادة. ومفاهيم الجيل الجديد أو الجيل الناشء وعاداته وأساليبه الحياتية ليست الا شبه ميزان لحدة هذه الازمة المعاصرة.

نقول أولاً بأن موضوع الهوة الفاصلة بين الاجيال ليس بموضوع جديد وان كانت عبارة " الثغرة بين الجيلين،، هي حديثة في تركيبها. فالاجيال منذ القديم وجدت نفسها في نوع من النـزاع والخصام. الآباء لا يفهمون تصرفات ابنائهم والابناء لا يفهمون آباءهم ولا يقبلون سلطتهم. ليست الهوة الفاصلة بين الجيلين بأمر حديث ظهر إلى الوجود في أو اخر القرن العشرين! هذا صحيح. ولكن الهوة الفاصلة اليوم هي كبيرة للغاية، انها أكبر من أي يوم سبق والفروقات بين الجيلين هي جذرية وذات أبعاد هائلة! هذا يجعل موضوعنا من أهم المواضيع التي تتطلب المعالجة والمعالجة السريعة والدقيقة.

يا ترى، كيف برزت إلى الوجود هذه المشكلة الحياتية المعاصرة وما هي العوامل التي أدت إلى ظهورها بهذا المظهر الحاد وشبه المطلق؟

كنا قد ألمحنا في أكثر من مناسبة واحدة بأن حياتنا المعاصرة قد تأثرت بشكل قوى من قبل فلسفة مادية دهرية لا تحترم الله ولا شرائعه ولا نواميسه. وقد تغلغلت هذه الفلسفة المادية أو الايديولوجية الدهرية في سائر نواحي الحضارة العالمية المعاصرة وبسرعة غريبة. لقد غزت السينما والكتب القصصية التي تسمى عادة بالروايات الخيالية والمجلات والثقافة العامة التي تنشرها وسائط الاعلام العصرية كالراديووالتلفزيون. وبكلمة مختصرة : الجو الفكري المعاصر الذي يتعرف عليه الجيل الجديد هو جو لا يعرف الله ولا يهتم بأمور الله. انه مادى بحت وخال من عناصر الجو الفكري الذي كان يعيش فيه الجيل الماضي!

وليس هناك مكان واحد في العالم يستطيع أن يعيش فيه الناس بعزلة تامة عما يجرى في عالمنا الفكري. يتأثر الناس بما يجرى في دنيانا – حتى ولوبطريقة لا شعورية أو تحت شعورية – وخاصة الجيل الناشء الذي يلتهم الايديولوجية المعاصرة وأفكارها الغريبة بصورة ليس لها مثيل. وبينما يعرف الجيل القديم جو ا فكريا آخر غير الجو المعاصر، الا أن شبان وشابات اليوم هم على النقيض، انهم لا يدرون الا النـزر اليسير عن تراث الماضي وأفكارهم وآراؤهم وعاداتهم قد تكيفت بمقتضى ايديولوجية غريبة.

وكذلك من المهم أن نلاحظ أن الجو الفكري المعاصر هو جو انتقادى. انه لا يقبل بالماضي ولا بتراث الماضي لمجرد كونه قديما أو تاريخيا. والجيل الناشء المتأثر بهذا الجو الفكري يرى العديد من التناقضات والمتناقضات في حياة الآباء والامهات وسائر ممثلي الجيل القديم. يسأل الجيل الجديد أسئلة مصيرية وهامة ربما لم نسألها نحن عندما كنا في سنهم أو عمرهم منذ عشرة أو منذ عشرين أو ثلاثين أو أربعين سنة!

ومن المهم ألا نكون سلبيين أو مجرد انتقاديين عندما نحاول أن نفسر أفكار وآراء وعادات وحياة الجيل الجديد. ومن المهم جدا لنا أن كنا من الجيل القديم أن نقر بأخطائنا وبهفواتنا وبانعدام تجردنا وقلة نـزاهتنا في كثير من الاحيان وأننا نحن الذين أتينا بعالم اليوم ونحن مسؤولون عن مشاكل اليوم. علينا أن نكون صريحين لآخر درجة وان نتسربل بلباس التواضع والمودة والمحبة الحقيقية لئلا نساهم في تكبير الهوة الفاصلة بين الجيلين!

ولكنه من واجب المؤمن – إيماناً قلبيا وحقيقيا بالله وبكلمته – من واجبه أن يصرح ويقول بكل جرأة : أيها الجيل الجديد لا تنسى الله! يا أفراد الجيل الجديد لا تلوموا الله بسبب أزمة عالمية هي من صنع الناس. يا شبان وشابات الجيل الجديد، جيد أن تشيروا إلى المتناقضات وإلى الازدواجية والرياء وغير ذلك من عيوب الجيل القديم. لكن لا تظنوا أن ذلك يعطيكم الصلاحية بأن تنبذوا الله وكلمته وتدبيره الفعال لإنقاذ البشرية من براثن الشر ومن استعمار الاثم. ولا تخالوا يا ممثلي الجيل الناشىء أن الاباحية هي الحرية، لا تظنوا أن الفوضوية تبني حضارة حيوية يسودها الاخاء والوئام والجمال! لا تتصوروا أنكم ستنتصرون على مشاكل الحياة أن كان سلاحكم ليس الا ما ابتلعتم – وبدون تفكير أو تمحيص – من آراء مفكرين وفلاسفة لم يعرفوا الله ولا تأثروا بكلمته التحريرية!

ليس الجيل القديم بجيل كامل ولكن عدم كمال الجيل القديم لا يعطيك أنت أيها الشاب وأنت أيتها الشابة، ذلك لا يعطى أي منا الصلاحية للانتقاض على الله وعلى النظام الرائع والجميل الذي أو جده في عالمنا. يعلوا كلام الله اليوم على كلمة البشر. يعلوكلام الله المنير على كل شيء ويدعونا بواسطته لنعود اليه ونسير في صراطه المستقيم يحث نجد السعادة الحقيقية وحيث تحل أزمة الوجود الجو هرية.

وان امتنعنا عن الانصياع لكلمة الله التحريرية والفدائية وان ثابرنا على مسيرتنا وراء أنبياء القسم الأخير من القرن العشرين فان آخرتنا وآخرة حضاراتنا ستكون محزنة للغاية!

لمزيد من الفائدة والإضطلاع على موضوعات مشابهة، الرجاء زيارة موقع كلمة الحياة.

 

  • عدد الزيارات: 2025