Skip to main content

الخلاص

يدعي المسلمون أن الكتاب المقدس قد تحرف

 إن الاتهامات الجزافية التي ترمي الكتاب المقدس بالتغيير والتحريف تثير العديد من الأسئلة التي تتطلب إجابات شافية من جانب المسلمين الذين يروجون تلك المزاعم. فمتى تم هذا التحريف المزعوم في كلمة الله؟

1- هل تم التحريف قبل وقت محمد؟

جميع الآيات المقتبسة في الفصل الأول من هذا الكتاب تشير بوضوح إلى أن محمداً لم يكن يؤمن أن الكتاب المقدس قد تحرف في وقته.

2- هل تم التحريف بعد موت محمد؟

مستحيل أن يكون الكتاب المقدس قد تحرف بعد موت محمد لأن المسيحية كانت قد انتشرت قبل عام 600 الميلادي في كافة أنحاء آسيا وأفريقيا وأوربا.

مؤامرة مستحيلة:

ليس من المعقول أن المسيحيين واليهود في جميع أنحاء العالم قد عقدوا اجتماعاً اتفقوا فيه على كافة الأجزاء لتي سيتم تحريفها دون غيرها من الآيات. ويشهد التاريخ (وكذلك سورة البقرة 113) على الخلافات القائمة بين اليهود والنصارى. "وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ" (البقرة 113). الواضح من السورة أن هناك خلافات جوهرية في العقيدة بين اليهود والنصارى. وقد اختلف اليهود والنصارى بشأن العديد من القضايا الدينية على مر العصور.

كما نقرأ في كثير من الآيات القرآنية أن النصارى كانوا منقسمين إلى فئات متفرقة كما في سورة آل عمران 19 "وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ..."، وسورة البينة 4 "وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَة". فلو أن الكتاب المقدس كان قد تحرف، لتغيرت العقائد الكتابية تباعاً، ولاعترضت بعض الفئات والطوائف اليهودية أو المسيحية القائمة في ذلك الوقت. ولا نجد في التاريخ أي ذكر لمثل هذه الاتهامات أو الاعتراضات.

المزيد من البراهين على صدق النصوص الكتابية:

لم يتهم المسيحُ اليهودَ أبدا بتحريف التوراة. بل على العكس تماما، فقد اقتبس المسيح من أسفار موسى الخمس والمزامير والأنبياء عندما شرع يخاطب اليهود ويحاججهم. وفي وقت محمد، كان هناك الكثير من علماء المسيحيين المخلصين (من الحبشة) الذين أحبوا المسلمين وصادقوهم. ولو كان هناك أي تغيير في النصوص الكتابية لاكتشفه هؤلاء العلماء ولأفشوه للمسلمين.

ونجد وصفاً دقيقاً لهؤلاء العلماء المسيحيين في سورة المائدة 82 "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُون".

لاحظ هذه الآية تصف النصارى بكلمة "قسيسين" أي الذين يعكفون على دراسة الكلمة المقدسة والإعلانات الإلهية، ولو أن هناك أي محاولة للتغيير أو التحريف في الوحي لاكتشفها القسيسون بسهولة. كما تصف الآية المسيحيين أيضاً بكلمة "رهبان" أي الذين زهدوا كبرياء العالم، وتنسكوا، ولم يكونوا من القوم المستكبرين. الأمر الذي يعني أن المسيحيين زهدوا غرور الدنيا، وكانوا يعيشون حياة التقوى والورع طالبين رضى الله عز وجل. فكيف يرتكبون أبشع خطية بتغيير الكلمة المقدسة التي بأيديهم أو تحريفها؟

عدم توافر الأدلة بتحريف النصوص الكتابية:

وفقا لسورة المائدة 66 هناك قوم من اليهود والنصارى تمسكوا بالحق، ولم يساوموا، بل ظلوا أمناء للشريعة والإنجيل. لذلك فمن المنطقي أن يتصدى أولئك القوم لأي محاولة لتحريف الشريعة الإلهية. ومن المتوقع أن يفضحوا أي محاولة للتلاعب بالنصوص المقدسة. فنقرأ في سورة المائدة 66: "منهم أمة مقتصدة" أي تسير على الصراط المستقيم.

فضلا عن أن اليهود والنصارى، الذين اعتنقوا الإسلام منذ وقت محمد فصاعداً، بعد غزو الإسلام لبلادهم، كانوا قد احتفظوا بكتبهم المقدسة، حيث أن المسلمين كانوا يحترمون هذه الكتب وينظرون إليها على أنها كتب مقدسة تحتوي على إعلانات الله ووصاياه.

ولو أن اليهود والنصارى اتفقوا على تحريف الكتاب المقدس، لتمكن الذين اعتنقوا الإسلام من اليهود والنصارى من إظهار النسخ الأصلية من الكتب المقدسة التي في حوزتهم للعالم المحيط بهم. والحقيقة أنه يوجد مئات النسخ تعود إلى القرن الرابع والخامس الميلادي (ظهر الإسلام في القرن السادس الميلادي). وهذه النسخ تتفق مع التراجم التي بين أيدينا تمام الاتفاق. وإن وجدت أية اختلافات فهي غاية في الضآلة ولا تؤثر على العقائد الأساسية بمكان. ونخلص من ذلك إلى أن العهد الجديد في زمن محمد هو نفس العهد الجديد الذي بين أيدينا اليوم.

المقارنة بين ترجمات الكتاب المقدس تعكس دقة نصوصه:

فضلاً عن أن الذين اعتنقوا المسيحية من آسيا وأفريقيا وأوربا لم تكن لهم لغة واحدة. كان الكتاب المقدس متداول في عدة لغات في شتى بقاع العالم، مما يجعل أية محاولة لتعديل أي نص من نصوصه أمراً مستحيلاً. فلكي تنجح المحاولة لا بد من تعديل النص في كافة التراجم وفي جميع اللغات في وقت واحد! وعندما نقارن بين الترجمات المتعددة للكتاب المقدس، نجد دقة منقطعة النظير في جميع نصوصه المقدسة.

الرد على أسس الاتهامات:

كل هذه الظروف سابقة الذكر جعلت من المستحيل أن يجتمع اليهود والنصارى بكافة فئاتهم وطوائفهم بعد موت محمد في مكان واحد للاتفاق على نسخ آيات كتبهم المقدسة وتحريفها. لذلك فنحن نسأل أولئك الذين يرمون الكتاب المقدس بالتحريف الأسئلة التالية:

- متى وأين تم التحريف؟

- من الذين اقترفوا تلك الجريمة النكراء والفعلة الشنعاء؟

- كيف اتفقوا معاً، وكيف أجمعوا على عملية النسخ أو التحريف؟

- إذا كانت هناك نسخ أصلية من الكتاب المقدس لم يعتريها التحريف، فأين هي حتى نقارنها بما قد تحرف حسب زعمهم؟ وإذا كان كذلك، فما هي النصوص التي تحرفت بالتحديد؟

كيف تحرف الكتاب المقدس؟

يعلمنا التاريخ أنه في الوقت الذي عاش فيه محمد، كانت اليهودية والمسيحية قد انتشرتا انتشاراً سريعاً في كل أنحاء العالم تقريباً. لذلك فمن المستحيل أن يتمكن أحد من جمع كل الكتب المقدسة بكافة اللغات الأصلية والتراجم والكتب التاريخية التي تقتبس منها جميع الكنائس والمجامع والمدارس والمكتبات والبيوت لإجراء عملية التحريف. وكان لا بد، بعد ذلك، أن يتمكن من قام بالتحريف من إعادة كل هذه الكتب إلى مكانها دون أن يلاحظ أحد ما قد حدث! وكيف يتسنى لهم إقناع كل النصارى واليهود باستبدال الكتب المقدسة التي معهم بكتب أخرى معدلة (أي محرفة)، والتمسك بالنسخ المحرفة، ثم جمع كافة النسخ الأصلية وحرقها، بحيث لم تفلت ولا حتى واحدة لتبقى شاهدة على هذا التحريف؟

كلمة الله ثابتة لا تتغير:

إن كلمة الله ثابتة كل الثبات كما أوحاها الله في الكتب المقدسة التي بين أيدي اليهود والنصارى. والقرآن نفسه يؤكد، مرارا وتكرارا، أنه "لا تبديل لكلمات الله..." (سورة يونس64). أي أنه لا يمكن لبشر أن يغيروا كلمات أو وصايا الله غز وجل. فسورة الإنعام 115 تقول: "...لا مبدل لكلماته، وهو السميع العليم". ونجد نفس الشيء في سورة الكهف 27: "...لا مبدل لكلماته..."، ألا وهي أن كلمات الله سبحانه وتعالى لا مبدل لها أي لا يمكن أن يعتريها التحريف بأي شكل من الأشكال.

فضلاً عن أن الكتاب المقدس يؤكد أن كلمة الله لا تتغير. ففي العهد القديم، نقرأ في سفر أشعياء النبي 40: 8 "يبس العشب ذبل الزهر وأما كلمة إلهنا فتثبت إلى الأبد". كما نقرأ في العهد الجديد، على سبيل الذكر لا حصر، في لوقا 16: 17 "ولكن زوال السماء والأرض أيسر من أن تسقط نقطة واحدة من الناموس" (متى 24: 35).

لذلك فإن كل من يدّعي أن الكتاب المقدس قد تحرف أو تبدل فهو يدعو الله كاذباً، ويرمي الله بعدم القدرة على حماية كلمته والحفاظ عليها عبر العصور.

"التفاسير" فقط هي التي يمكن أن يجانبها الصواب أو يعتريها التحريف:

لقد حكم عبد الله بن عباس في هذه القضية (كما هو مدون في كتاب الإمام البخاري): (إن كلمة "تحريف" (تبديل) تعني تغيير شيء عن طبيعته الأصلية، ولا يوجد من يستطيع أن يحرف كلمة خرجت من فم الله سبحانه وتعالى. فما يمكن أن يفعله اليهود والنصارى هو فقط تغيير التفاسير الخاصة بمعاني الوحي المقدس الذي هو كلمة الله).* (للمزيد من المعلومات عن عبد الله بن عباس يمكن للقارئ العزيز أن يرجع لملحق هذا الكتاب).

ولدينا سؤال آخر على درجة كبيرة من الأهمية، نود أن نطرحه على أولئك الذين يدّعون أن الكتاب المقدس قد تحرف في نصوصه: ما هي الفائدة من هذا التحريف المزعوم؟

ما هي الفائدة التي يمكن أن تعود على اليهود أو النصارى من جراء تحريف كتبهم المقدسة؟

ما هو النفع الذي يعود على المسيحيين واليهود إذا ما أقدموا على تحريف الوحي الذي أنـزله الله لهم؟ ولماذا يستمرون في تصديق ذلك الوحي بعد أن حرّفوه بأيديهم؟ هب أنهم قد حرّفوه، فلماذا يسلّموه لأولادهم وبناتهم لكي يؤمنوا به ويسيروا في هداه؟ إنه ضرب من العبث ولا يمكن أن يفيد شيئاً، أياً كان.

لم يرد في الكتاب المقدس أي نبوة عن محمد:

يزعم بعض المسلمين أن اليهود والمسيحيين قد حرّفوا الكتاب المقدس بهدف حذف جميع النبوات التي وردت به عن نبيهم محمد. ولكن لماذا يا ترى؟ ماذا يمكن أن ينتفع به اليهود والنصارى إذا ما أقدموا على ذلك؟ فلو أن ثمة نبوات عن محمد قد وردت في الكتاب المقدس كما يظن البعض، فلماذا لا يتبع المسيحيون واليهود محمد بحسب ما ورد في كتابهم؟ ألم يكن ذلك بمثابة المفتاح الذي كان سيفتح أمامهم الباب على مصراعيه للمشاركة في الغنائم الوفيرة وكنوز الذهب التي حصدها المسلمون في غزواتهم لبلاد فارس، والشام، ومصر، وسائر البلاد الغنية التي غزاها الإسلام؟

فلو أن هذه النبوات عن محمد قد وردت فعلاً في الكتاب المقدس، فلماذا يقدم اليهود والنصارى على اقتراف هذا الإثم الفظيع الذي سيجلب الشرور عليهم وعلى الأجيال القادمة من بعدهم إلى الأبد دون سبب وجيه؟ وكيف يحرّفون الكتب المقدسة ويقضون الأبدية في جهنم وبئس المصير؟ أما كان من الأسهل عليهم أن يضيفوا نبوات عن محمد بدلاً من حذفها فينالوا رضى المسلمين؟ فلوا اعتنقوا الإسلام، على سبيل الافتراض، لهربوا من كل ما يمكن أن يلحق بهم من اضطهادات بوصفهم أقلية دينية تعيش في أواخر أيام محمد وأوائل عصر الخلفاء الذي شهد انتشاراً رهيباً للإسلام. هذا بالإضافة إلى أن الله قد حذّر في التوراة من أي إضافة أو حذف في النصوص المقدسة: "لا تزيدوا على الكلام الذي أنا أوصيكم به ولا تنقصوا منه..." (تثنية 4: 2). (أنظر أيضاً تثنية 12: 32).

  • عدد الزيارات: 3290